فصل: تفسير الآيات (21- 25):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (21- 25):

{وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آَلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)}
قوله تعالى: {واذكر أخا عاد} يعني هوداً عليه السلام {إذ أنذر قومه بالأحقاف} قال ابن عباس: الأحقاف وادٍ بين عمان ومهرة. وقيل: كانت منازل عاد باليمن في حضرموت بموضع يقال له مهرة. وكانوا أهل عمد سيارة في الربيع فإذا هاج العود، رجعوا إلى منازلهم وكانوا من قبيلة إرم. وقيل: إن عاداً كانوا أحياء باليمن وكانوا أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها الشحر. والأحقاف: جمع حقف وهو المستطيل من الرمل فيه اعوجاج كهيئة الجبل ولم يبلغ أن يكون جبلاً. وقيل: الأحقاف ما استدار من الرمل {وقد خلت النذر} أي مضت الرسل {من بين يديه} أي من قبل هود {ومن خلفه} أي من بعده {ألا تعبد وا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} والمعنى: أن هوداً قد أنذرهم بذلك وأعلمهم أن الرسل الذين بعثوا قبله والذين سيبعثون بعده كلهم منذرون نحو إنذاره {قالوا أجئتنا لتأفكنا} أي لتصرفنا {عن آلهتنا} أي عبادتها {فأتنا بما تعدنا} أي من العذاب {إن كنت من الصادقين} يعني أن العذاب نازل بنا {قال} يعني هوداً {إنما العلم عند الله} يعني هو يعلم متى يأتيكم العذاب {وأبلغكم ما أرسلت به} يعني من الوحي الذي أنزله الله عليّ وأمرني بتبليغه إليكم {ولكني أراكم قوماً تجهلون} يعني قدر العذاب الذي ينزل بكم {فلما رأوه} يعني رأوا ما يوعدون به من العذاب ثم بينه فقال تعالى: {عارضاً} يعني رأوا سحاباً عارضاً وهو السحاب الذي يعرض في ناحية السماء ثم يطبق السماء {مستقبل أوديتهم} وذلك أنه خرجت عليهم سحابة سوداء من ناحية وادٍ يقال له المغيث وكان قد حبس عنهم المطر مدة طويلة فلما رأوا تلك السحابة استبشروا بها ثم {قالوا هذا عارض ممطرنا} قال الله رداً عليهم {بل هو ما استعجلتم به} يعني من العذاب ثم بين ماهية ذلك العذاب فقال تعالى: {ريح فيها عذاب أليم} ثم وصف تلك الريح فقال تعالى: {تدمر كل شيء بأمر ربها} يعني تهلك كل شيء مرت به من رجال عاد وأموالهم يقال: إن تلك الريح كانت تحمل الفسطاط وتحمل الظعينة حتى ترى كأنها جرادة فلما رأوا ذلك، دخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم، فجاءت الريح فقلعت الأبواب وصرعتهم. وأمر الله الريح، فأهالت عليهم الرمال فكانوا تحت الرمل سبع ليال وثمانية أيام لهم أنين. ثم أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمل واحتملتهم فرمت بهم في البحر. وقيل: إن هوداً عليه السلام لما أحس بالريح، خط على نفسه وعلى من معه من المؤمنين خطاً فكانت الريح تمر بهم لينة باردة طيبة والريح التي تصيب قومه شديدة عاصفة مهلكة وهذه معجزة عظيمة لهود عليه السلام.

.تفسير الآيات (26- 28):

{وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27) فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آَلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (28)}
{ولقد مكنّاهم فيما إن مكناكم فيه} الخطاب لأهل مكة يعني مكناهم فيما لم نمكنكم فيه من قوة الأبدان وطول الأعمار وكثرة الأموال {وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة} يعني إنا أعطيناهم هذه الحواس ليستعملوها فيما ينفعهم في أمر الدين فما استعملوها إلا في طلب الدنيا ولذاتها فلا جرم {فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء} يعني أنه لما أنزل بهم العذاب ما أغنى ذلك عنهم شيئاً {إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} يعني ونزل بهم العذاب الذي كانوا يطلبونه على سبيل الاستهزاء {ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى} الخطاب لأهل مكة يعني أهلكنا قرى ديار ثمود وهي الحجر وسدوم وهي قرى قوم لوط بالشام وقرى قوم عاد باليمن يخوف أهل مكة بذلك {وصرفنا الآيات} يعني وبينا لهم الحجج والدلائل الدالة على التوحيد {لعلهم يرجعون} يعني عن كفرهم فلم يرجعوا فأهلكناهم بسبب كفرهم وتماديهم في الكفر {فلولا} يعني فهلا {نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قرباناً آلهة} يعني أنهم اتخذوا الأغنام آلهة يتقربون بعبادتها إلى الله تعالى والقربان كل ما يتقرب به إلى الله تعالى: {بل ضلوا عنهم} يعني بل ضلت الآلهة عنهم فلم تنفعهم عند نزول العذاب بهم {وذلك إفكهم} يعني كذبهم الذي كانوا يقولون إنها تقربهم إلى الله تعالى وتشفع لهم عنده {وما كانوا يفترون} يعني يكذبون بقولهم إنها آلهة وإنها تشفع لهم.

.تفسير الآية رقم (29):

{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29)}
قوله عز وجل: {وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن} الآية.
ذكر القصة في ذلك:
قال المفسرون: لما مات أبو طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان في حياته يحوطه وينصره ويمنعه ممن يؤذيه، فلما مات وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحشة من قومه، فخرج إلى الطائف يلتمس من ثقيف النصرة له والمنعة من قومه فروى محمد بن إسحاق عن زيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف، وهم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم، وهم إخوة ثلاثة: عبد ياليل، ومسعود، وحبيب بنو عمير. وعندهم امرأة من قريش من بني جمح، فجلس إليهم، فدعاهم إلى الله وكلمهم بما جاء له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه فقال له أحدهم: هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك. وقال الآخر: ما وجد الله أحداً يرسله غيرك وقال الثالث: لا أكلمك كلمة أبداً لئن كنت رسولاً من الله كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام وإن كنت تكذب على الله فما ينبغي لي أن أكلمك فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا علي وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه فيزيد ذلك في تجرئهم عليه فلم يفعلوا وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم فجعلوا يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع إليه الناس وألجؤوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة وهما فيه، فرجع عنه سفهاء ثقيف ومن كان تبعه منهم، فعمد إلى ظل حبلة من عنب فجلس فيه وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان ما لقي من سفهاء ثقيف وقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المرأة التي من بني جمح فقال لها: ماذا لقينا من أحمائك؟ فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، فأنت رؤوف وأنت أرحم الراحمين، وأنت رب المستضعفين، وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل عليّ سخطك لك العتبى حتى ترضى لا حول ولا قوة إلا بك» فلما رأى ابنا ربيعة ما لقي تحركت له رحمهما فدعوا غلاماً لهما نصرانياً يقال له عداس فقالا له: خذ قطفاً من هذا العنب وضعه في ذلك الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل وقل له يأكل منه.
ففعل عداس ذلك ثم أقبل بالطبق حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: كل. فلما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده قال: بسم الله ثم أكل فنظر عداس إلى وجهه ثم قال والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أي البلاد أنت يا عداس وما دينك؟ فقال: أنا نصراني وأنا رجل من أهل نينوى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟ فقال له عداس: وما يدريك ما يونس بن متى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك أخي كان نبياً وأنا نبي. فأكبَّ عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل رأسه ويديه وقدميه قال فقال أحد ابني ربيعة: أما غلامك، فقد أفسده عليك. فلما جاءهم عداس قال له: ويلك يا عداس ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قال: يا سيدي ما في الأرض خير من هذا الرجل. لقد أخبرني بأمرٍ ما يعلمه إلا نبي. فقال له: ويحك يا عداس لا يصرفك عن دينك فإن دينك خير من دينه ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من الطائف راجعاً إلى مكة حين يئس من خير ثقيف حتى إذا كان ببطن نخلة قام من جوف الليل يصلي فمر به نفر من جن نصيبين كانوا قاصدين اليمن وذلك حين منعوا من استراق السمع من السماء ورموا بالشهب فاستمعوا له فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين وقد آمنوا به وأجابوا لما سمعوا القرآن فقص الله خبرهم عليه فقال تعالى: {وإذا صرفنا إليك نفراً من الجن} وفي الآية قول آخر وسيأتي في سورة الجن وهو حديث مخرج في الصحيحين من حديث ابن عباس. وروي أن الجن لما رجموا بالشهب بعث إبليس سراياه ليعرف الخبر فكان أول بعث بعث من أهل نصيبين وهم أشراف الجن وساداتهم فبعثهم إلى تهامة. وقال أبو حمزة: بلغنا أنهم من بني الشيصبان وهم أكثر الجن عدداً وهم عامة جنود إبليس فلما رجعوا إلى قومهم قالوا إنا سمعنا قرآنا عجباً وقال جماعة: بل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينذر الجن ويدعوهم إلى الله ويقرأ عليهم القرآن فصرف الله عز وجل إليه نفراً من الجن وهم من أهل نينوى وجمعهم له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة فأيكم يتبعني فأطرقوا ثم استتبعهم فأطرقوا ثم استتبعهم فأطرقوا ثم استتبعهم الثالثة فتبعه عبد الله بن مسعود قال عبد الله بن مسعود لم يحضر معه أحد غيري قال: فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة دخل نبي الله صلى الله عليه وسلم شعباً يقال له شعب الحجون وخط لي خطاً ثم أمرني أن أجلس فيه وقال: لا تخرج منه حتى أعود إليك فانطلق حتى قام عليهم فافتتح القرآن فجعلت أرى مثال النسور تهوي وسمعت لغطاً شديداً حتى خفت على نبي الله صلى الله عليه وسلم وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى لا أسمع صوته ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين ففرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مع الفجر فانطلق إليّ فقال لي نمت فقلت: لا والله يا رسول الله لقد هممت مراراً أن أستغيث بالناس حتى سمعتك تقرعهم بعصاك تقول لهم اجلسوا فقال: لو خرجت لم آمن عليك أن يتخطفك بعضهم ثم قال: هل رأيت شيئاً؟ قلت: نعم رأيت رجالاً سوداً عليهم ثياب بيض قال أولئك جن نصيبين سألوني المتاع والمتاع الزاد فمتعتهم بكل عظم حائل وروثة وبعرة فقالوا يا رسول الله يقذرها الناس علينا فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستنجي بالعظم والروث قال: فقلت يا رسول الله وما يغني ذلك عنهم؟ فقال: إنهم لا يجدون عظماً إلا وجدوا عليه لحمه يوم أكل ولا روثة إلا وجدوا فيها حبها يوم أكلت فقلت: يا رسول الله سمعت لغطاً شديداً فقال إن الجن تدارأت في قتيل قتل بينهم فتحاكموا إليّ فقضيت بينهم بالحق قال ثم تبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاني فقال لهم معك ماء؟ قلت: يا رسول الله معي أداوة فيها شيء من نبيذ التمر فاستدعاه فصببت على يديه فتوضأ وقال: تمرة طيبة وماء طهور.
قال قتادة: ذكر لنا أن ابن مسعود لما قدم الكوفة رأى شيوخاً شمطاً من الزط فأفزعوه حين رآهم ثم قال اظهروا؟ فقيل له: إن هؤلاء قوم من الزط. فقال: ما أشبههم بالنفر. الذين صرفوا إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن قلت حديث التوضؤ بنبيذ التمر ضعيف ذكره البيهقي في كتابه الخلافيات بأسانيده وأجاب عنها كلها.
والذي صح عن علقمة قال: قلت لابن مسعود: هل صحب النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن منكم أحد؟ قال: ما صحبه منا أحد ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب فقلنا استطير أو اغتيل فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء فقلنا يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا ليلة بات قوم قال أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن قال: فانطلق بنا فأرنا آثارهم وآثار نيرانهم وسألوه الزاد فقال لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً وكل بعرة علف لدوابكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم الجن.

.تفسير الآيات (30- 33):

{قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33)}
{قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً} قال عطاء: كان دينهم اليهودية ولذلك {قالوا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه} يعني من الكتب الإلهية المنزلة من السماء وذلك أن كتب الأنبياء كانت مشتملة على الدعوة إلى التوحيد وتصديق الأنبياء والإيمان بالمعاد والحشر والنشر وجاء هذا الكتاب وهو القرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم كذلك فذلك هو تصديقه لما بين يديه من الكتب {يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم} يعني: يهدي إلى دين الحق وهو دين الإسلام ويهدي إلى طريق الجنة {يا قومنا أجيبوا داعي الله} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم لأنه لا يوصف بهذا غيره وفي الآية دليل على أنه مبعوث إلى الإنس والجن جميعاً قال مقاتل لم يبعث الله نبياً إلى الإنس والجن قبله {وآمنوا به}.
فإن قلت قوله تعالى: {أجيبوا داعي الله} أمر بإجابته في كل ما أمر به فيدخل فيه الأمر بالإيمان فلم أعاد ذكره بلفظ التعيين.
قلت: إنما أعاده لأن الإيمان أهم أقسام المأمور به وأشرفها فلذلك ذكره على التعيين فهو من باب ذكر العام ثم يعطف عليه أشرف أنواعه {يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم} قال بعضهم: لفظة من هنا زائدة والتقدير يغفر لكم ذنوبكم وقيل: هي على أصلها وذلك أن الله يغفر من الذنوب ما كان قبل الإسلام فإذا أسلموا جرت عليهم أحكام الإسلام فمن أتى بذنب أخذ به ما لم يتب منه أو يبقى تحت خطر المشيئة إن شاء الله غفر له وإن شاء آخذه بذنبه واختلف العلماء في حكم مؤمني الجن، فقال قوم: ليس لهم ثواب إلا نجاتهم من النار. وتأولوا قوله: {يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم}. وإليه ذهب أبو حنيفة. وحكي عن الليث قال: ثوابهم أن يجاروا من النار ثم يقال لهم: كونوا تراباً مثل البهائم. وعن أبي الزناد قال: إذا قضى بين الناس، قيل لمؤمني الجن: عودوا تراباً، فيعودون، تراباً. فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت تراباً. وقال الآخرون: لهم الثواب في الإحسان كما يكون عليهم العقاب في الإساءة كالإنس وهذا هو الصحيح وهو قول ابن عباس وإليه ذهب مالك وابن أبي ليلى. قال الضحاك: الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون. وقال أرطأة بن المنذر: سألت ضمرة بن حبيب: هل للجن ثواب؟ قال: نعم وقرأ: {لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} قال: فالإنسيات للإنس والجنيات للجن وقال عمر بن عبد العزيز: إن مؤمني الجن حول الجنة في ربض ورحاب وليسوا فيها يعني في الجنة.
وقوله تعالى: {ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض} يعني لا يعجز الله فيفوته {وليس له من دونه أولياء} يعني أنصاراً يمنعونه من الله {أولئك} يعني الذين لم يجيبوا داعي الله {في ضلال مبين} قوله تعالى: {أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن} يعني أنه تعالى خلق هذا الخلق العظيم ولم يعجز عن إبداعه واختراعه وتكوينه {بقادر على أن يحيي الموتى} يعني أن إعادة الخلق وإحياءه بعد الموت أهون عليه من إبداعه وخلقه فالكل عليه هين إبداع الخلق وإعادته بعد الموت وهو قوله: {بلى إنه على كل شيء قدير} يعني من إماتة الخلق وإحيائهم لأنه قادر على كل شيء.